اهتم الباحثون بتدوين التراث الشعبي للقرى الفلسطينية (بيئة الفلاحين) من
أزجال وأشعار شعبية, ولدينا عشرات الكتب التي تؤرخ لهذا التراث ولقوّاليه
وزجاليه أيضا , وكذلك طالعنا مئات الدراسات التي تقوم على بحث هذا التراث
ودراسته والمؤسسات التي أنشئت خصيصا لجمع هذا التراث والمحافظة عليه,
وبالطبع نثمن هذه الجهود المشكورة لما حققته من حفظ لهوية هذا الشعب المشتت
في كل بقاع الأرض.
ولكن بالمقابل هناك تراث فني لم يحظ بأي اهتمام لتدوينه وبحثه والحفاظ عليه من الضياع بعد موت كبار السن الذين نظموه وكذلك موت الذين عاشروا قائليه وسمعوه منهم , وإن كانت هناك بعض الدراسات التي عرَّجت على بعض هذه الفنون التي شاعت في البيئة البدوية ولكنها لم تحظ حتى الآن بالاهتمام الكافي من جمع وتدوين .
واليوم ونحن نحاول إلقاء الضوء على تراث انتشر في بيئة معينة وشريط محدود وهو الشريط الشرقي لقطاع غزة وشرق خانيونس ورفح وشمال بيت حانون والذي تسكنه عائلات بدوية الأصل منذ سنوات طويلة ممن ينتمون لعرب الترابين والتياها والحناجرة والسواركة , لا بد وأن نشير إلى الجهود التي بذلها المؤرخ الفلسطيني ((سليم المبيض)) في جمع هذا التراث الفني وإخراجه في كتيب يحمل اسم ((الرُّزِّيْعَة )) ويذكر المبيض : أن معنى الرَّزع في المنطوق الشعبي يعني ((الفرح )) والرازع هو الشاعر الشعبي الذي غالباً لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يستخدم لهجته البدوية الدارجة في التعبير,ويقدم الكاتب الرزيعة والتي هي نوع من أنواع الزجل والذي يعتبر ((كالمطارحة شعرية )) المعروفة اليوم , حيث أنها تراث بدوي يكاد أن يكون خالصاً، ويستدرك المبيض رغم ذلك أن: "الحياة اليومية والصحراوية لم تخلص من الاندماج المدني، فكل طرف أخذ من الآخر شيء من عاداته وحتى لهجته، خاصة أن كلا منهما يملك القدرة على التأقلم والتكيّف بسهولة مع كل التناقض والاختلاف في الأعراف والتقاليد بينهما". ويؤكد الكاتب أن الجوار الجغرافي والاحتكاك دفعا نحو التكامل والتنافس لدى الفلسطينيين أحياناً.
ويوضح الكاتب أن الرازع أو الرزّاع مبدع بمعنى الكلمة لأنه ينطق بأشياء لأول مرة بالفطرة والعفوية, والرزع غالباً ما يقوله اثنان يتحدى كل منهما الآخر، بأسلوب مداعبة بين الأصدقاء أحيانا وعلى سبيل التحدي والقدح والهجاء أحيانا أخرى , والرزيعة ليست قصيدة بالمعنى المعروف أي ذات موضوع واحد وقافية واحدة بل هي بيت أو بيتان على الأكثر، وينتهي فيه شطر كل بيت منهما بقافية واحدة، مثل :
ويذكر الكاتب المبيض في كتابه أن الرزيعة لم تقتصر على موضوع معين بل عالجت بشموليتها مواضيع عديدة من مقومات البيئة الجغرافية الطبيعية والبشرية وأفصحت عن القيم الاجتماعية السائدة في الوسط البدوي .
ويشير أيضا إلى الصعوبات الكثيرة التي واجهها وهو يحاول جمع هذا التراث من كبار السن والذين فضل الكثيرون منهم الصمت وعدم التجاوب معه لأسبابهم الخاصة , والآن ونحن نحاول إلقاء الضوء على هذا التراث آثرت أن أختار بعض النماذج التي وردت في هذا الكتاب في مواضيع مختلفة , ليس القصد منها الإحاطة بما ورد من مواضيع في كل الكتاب بل هي متفرقات تخدم فكرة المقال التي تهدف للتعريف بهذا التراث الجميل.
فقد تنوعت المواضيع التي تناولتها الرزيعة حتى شملت الكثير من مظاهر الحياة البدوية
ومن أمثلتها في المدح قول أحدهم في مدح جنينة (حديقة ) يملكها أحد كبار عائلة غزية معروفة (الفرا) :
كما كان لطبيعة الحياة البدوية والتي تفرض الترحال بسبب تذبذب الأمطار وخصوصا عند بدو النقب نصيب من الرزيعة,يقول الرازع حول تفاوت سقوط المطر:
ويتبع هذا الترحال فراق وألم على الذين كانوا هناك ورحلوا , وتركوا وراءهم من يتفطر قلبه حنينا للقياهم ويتمنى لهم السلامة أينما حلوا :
ويقول آخر مصورا قسوة قلب من تركه واختار الرحيل :
قوطروا = ذهبوا, بثر= بأثر , منقادي = سائرة, الهجين = الجمل السريع, الزين = كناية عن المحبوب وكان العرب يكنون عن المرأة ولا يذكرونها بصورة صريحة لما يمكن أن يثيره التصريح من من حروب بين القبائل واتهامات لدى (المنشد) أو القاضي عند العرب .
كما كان للحكم نصيب من الرزع, يقول الرازع :
ويقول آخر في الغريب الذي يصعب التكيف معه :
وصوّر الرازع المحل والقحط الذي كان يصيب أراضي الرعي التي كان يرعى فيها البدوي هجنه وأغنامه فقال :
[caps]
ع اليوم لَنَّه ربيعُ ويشبعن مِعْزاي........ لأعطى الخلايق تهول في عرج رجلاي
عشب الربيع له ليالي واللبن شُوَّل....... خايف نبيع الرَفَق ما نِلْحَقْ الأول
وعلى ذلك نستطيع القول أن الرزيعة جمعت الكثير من ملامح الحياة البدوية في قطاع غزة قبل النكبة وقبل أن تصبح هذه الأراضي التي تنقل فيها البدو ما بين الشريط المتاخم للحدود الشرقية لقطاع غزة مع أقاربه في بئر السبع وصحراء النقب محتلة ويفصل بينهما الآن حدود وسدود , أشرنا إلى بعض هذه الملامح في هذا المقال و سنحاول إلقاء الضوء على ملامح جديدة في رزيعات أخرى إن شاء الله .
منقول من موقع مؤسسة فلسطين للثقافة
ولكن بالمقابل هناك تراث فني لم يحظ بأي اهتمام لتدوينه وبحثه والحفاظ عليه من الضياع بعد موت كبار السن الذين نظموه وكذلك موت الذين عاشروا قائليه وسمعوه منهم , وإن كانت هناك بعض الدراسات التي عرَّجت على بعض هذه الفنون التي شاعت في البيئة البدوية ولكنها لم تحظ حتى الآن بالاهتمام الكافي من جمع وتدوين .
واليوم ونحن نحاول إلقاء الضوء على تراث انتشر في بيئة معينة وشريط محدود وهو الشريط الشرقي لقطاع غزة وشرق خانيونس ورفح وشمال بيت حانون والذي تسكنه عائلات بدوية الأصل منذ سنوات طويلة ممن ينتمون لعرب الترابين والتياها والحناجرة والسواركة , لا بد وأن نشير إلى الجهود التي بذلها المؤرخ الفلسطيني ((سليم المبيض)) في جمع هذا التراث الفني وإخراجه في كتيب يحمل اسم ((الرُّزِّيْعَة )) ويذكر المبيض : أن معنى الرَّزع في المنطوق الشعبي يعني ((الفرح )) والرازع هو الشاعر الشعبي الذي غالباً لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يستخدم لهجته البدوية الدارجة في التعبير,ويقدم الكاتب الرزيعة والتي هي نوع من أنواع الزجل والذي يعتبر ((كالمطارحة شعرية )) المعروفة اليوم , حيث أنها تراث بدوي يكاد أن يكون خالصاً، ويستدرك المبيض رغم ذلك أن: "الحياة اليومية والصحراوية لم تخلص من الاندماج المدني، فكل طرف أخذ من الآخر شيء من عاداته وحتى لهجته، خاصة أن كلا منهما يملك القدرة على التأقلم والتكيّف بسهولة مع كل التناقض والاختلاف في الأعراف والتقاليد بينهما". ويؤكد الكاتب أن الجوار الجغرافي والاحتكاك دفعا نحو التكامل والتنافس لدى الفلسطينيين أحياناً.
ويوضح الكاتب أن الرازع أو الرزّاع مبدع بمعنى الكلمة لأنه ينطق بأشياء لأول مرة بالفطرة والعفوية, والرزع غالباً ما يقوله اثنان يتحدى كل منهما الآخر، بأسلوب مداعبة بين الأصدقاء أحيانا وعلى سبيل التحدي والقدح والهجاء أحيانا أخرى , والرزيعة ليست قصيدة بالمعنى المعروف أي ذات موضوع واحد وقافية واحدة بل هي بيت أو بيتان على الأكثر، وينتهي فيه شطر كل بيت منهما بقافية واحدة، مثل :
يا زين مين يذبحك ويجيب لي دمك ....... تهوى الغريبين وتخلِّي بني عمك
ويذكر الكاتب المبيض في كتابه أن الرزيعة لم تقتصر على موضوع معين بل عالجت بشموليتها مواضيع عديدة من مقومات البيئة الجغرافية الطبيعية والبشرية وأفصحت عن القيم الاجتماعية السائدة في الوسط البدوي .
ويشير أيضا إلى الصعوبات الكثيرة التي واجهها وهو يحاول جمع هذا التراث من كبار السن والذين فضل الكثيرون منهم الصمت وعدم التجاوب معه لأسبابهم الخاصة , والآن ونحن نحاول إلقاء الضوء على هذا التراث آثرت أن أختار بعض النماذج التي وردت في هذا الكتاب في مواضيع مختلفة , ليس القصد منها الإحاطة بما ورد من مواضيع في كل الكتاب بل هي متفرقات تخدم فكرة المقال التي تهدف للتعريف بهذا التراث الجميل.
فقد تنوعت المواضيع التي تناولتها الرزيعة حتى شملت الكثير من مظاهر الحياة البدوية
ومن أمثلتها في المدح قول أحدهم في مدح جنينة (حديقة ) يملكها أحد كبار عائلة غزية معروفة (الفرا) :
وحياة موج البحر ومين أَطْلَعَهْ بَرّا ...... كل الجناين تَبَعْ لّجْنِينةْ الفَرَّا
تبع = تابعة كما كان لطبيعة الحياة البدوية والتي تفرض الترحال بسبب تذبذب الأمطار وخصوصا عند بدو النقب نصيب من الرزيعة,يقول الرازع حول تفاوت سقوط المطر:
بلاد جاهي مطر وبلاد ما جاهي ....... وبلاد جاهي كحيل العين وبلاد خلاّهي
جاهي = أتاها , خلاهي = تركها ويتبع هذا الترحال فراق وألم على الذين كانوا هناك ورحلوا , وتركوا وراءهم من يتفطر قلبه حنينا للقياهم ويتمنى لهم السلامة أينما حلوا :
الله يسهل عليكو كثر رف الطير ....... ويردكو بالسلامة ونشوفكو ع خير
ويقول آخر مصورا قسوة قلب من تركه واختار الرحيل :
الله يسهل عليكو يوم قَفِّيْتو ....... وقلوبكم جافية ما يوم حَنِّيتو
ويقول أيضا في تصوير مشاعرالألم وأنين الفراق والذي ينتج عن طبيعة حياة
البدوي الذي يضطر للتنقل من مكان إلى آخر وما يتبعه من فراق بين الأحبة :
يا حسرتي قوطروا وادي بِثِرْ وادي .... يا دمع عيني عليهم سِيل منقادي
يا حسرتي عذبوني لا جزاهم خير ...... كسروا جناحي كما كسروا جناح الطير
يا حسرتي وينْ أدور لي هجين ماشي ..... واهجم على الزين لُنْهم يقطعوا راسي
والله لأعدّي عدْي الذيب وأتْلَوّى ....... يا حسّرِتكو في غميق القلب من جُوّا
يا حسرتي عذبوني لا جزاهم خير ...... كسروا جناحي كما كسروا جناح الطير
يا حسرتي وينْ أدور لي هجين ماشي ..... واهجم على الزين لُنْهم يقطعوا راسي
والله لأعدّي عدْي الذيب وأتْلَوّى ....... يا حسّرِتكو في غميق القلب من جُوّا
قوطروا = ذهبوا, بثر= بأثر , منقادي = سائرة, الهجين = الجمل السريع, الزين = كناية عن المحبوب وكان العرب يكنون عن المرأة ولا يذكرونها بصورة صريحة لما يمكن أن يثيره التصريح من من حروب بين القبائل واتهامات لدى (المنشد) أو القاضي عند العرب .
كما كان للحكم نصيب من الرزع, يقول الرازع :
والناس ما هي سوى فكر فْ أصابيعك...... عند أكثر الناس لا تشكي مواجيعك
ويقول آخر في الغريب الذي يصعب التكيف معه :
طير الغريب يتعبك طير الغريب يشقيك..... في عز ما توالفه بيطير ويخليك
وصوّر الرازع المحل والقحط الذي كان يصيب أراضي الرعي التي كان يرعى فيها البدوي هجنه وأغنامه فقال :
يا جَدَه البُوش كل الناس وجعانين ..... يا جَدَهْ البوش ولا واحد ولا عشرين
با حسرةْ اللي تِنَشَّلْ في ليالي القيظ ....... لا جا مطر ولا بَلِّ الهدوم البيظ
با حسرةْ اللي تِنَشَّلْ في ليالي القيظ ....... لا جا مطر ولا بَلِّ الهدوم البيظ
[caps]
ويقول في الخصب حين تكثر الأمطار في موسم معين فيكثر الخير وتخضر المراعي :
[/caps]: يارب تجيب المطر يمشى على الكثبان..... وتيجي سنة طيبة ونجوّز العزبان ع اليوم لَنَّه ربيعُ ويشبعن مِعْزاي........ لأعطى الخلايق تهول في عرج رجلاي
عشب الربيع له ليالي واللبن شُوَّل....... خايف نبيع الرَفَق ما نِلْحَقْ الأول
وعلى ذلك نستطيع القول أن الرزيعة جمعت الكثير من ملامح الحياة البدوية في قطاع غزة قبل النكبة وقبل أن تصبح هذه الأراضي التي تنقل فيها البدو ما بين الشريط المتاخم للحدود الشرقية لقطاع غزة مع أقاربه في بئر السبع وصحراء النقب محتلة ويفصل بينهما الآن حدود وسدود , أشرنا إلى بعض هذه الملامح في هذا المقال و سنحاول إلقاء الضوء على ملامح جديدة في رزيعات أخرى إن شاء الله .
منقول من موقع مؤسسة فلسطين للثقافة
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.