ربما تكون الظاهرة في المجتمعات العربية والإسلامية عادية ، خاصة في
المجتمعات التي يسودها الرخاء الاقتصادي ،والاستقرار السياسي والأمني ،
ولكن الحال هنا مختلف في قطاع غزة المحاصر والمغلق ، والمعزول عن كواكب
العالم الأخرى ، غزة التي تعيش وتتنفس تحت الأرض ؟
لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة زواج الكبار ، وبصورة ملفته للنظر
وتستحق الدراسة ، حيث مئات من الرجال كبار السن ،وممن لديهم استقرار اسري
يبحثون عن زوجة أخري- ثانية وثالثة - في الوقت الذي نجد أن غالبية الشبان ،
ومن هم في عمر الزواج يعزفون عن الزواج بحجة عدم توافر الظروف الاجتماعية
والاقتصادية، التي تمكنه من فتح بيت وعمل مسكن شرعي للزوجة ، في ظل انتشار
البطالة بكافة أشكالها وعلى رأسها البطالة المقنعة المستفحلة بين شبا بنا
في غزة ..
مبررات واحصائيات
يبدو أن أمر الزواج اتخذ منحى آخر بحيث أصبح منتشرا بين الكبار الذي تتراوح أعمارهم 40 عام فما فوق ، و جميعهم متزوجون ومنجبون ..
وعند سؤال عينة ممن شرعوا بالزواج في هذا السن المتأخر، أرجعها البعض إلى
منظار شرعي وإباحة الدين تعدد الزوجات، والآخر اعتبرها نوع من التكافل
الاجتماعي، والقضاء على شبح العنوسة الذي يزحف علي الأراضي الفلسطينية
وخاصة في قطاع غزة. حيث يذكر أن آخر الإحصاءات الرسمية صدرت الشهر الماضي
أكدت أن الإناث يشكلون حوالي 53 % من المجتمع الغزي، فيما أن الظروف
السياسية والاحتلال وجرائمه من حرب وقتل واستشهاد واعتقال للشباب
الفلسطيني، وكذلك الفقر والحصار الاقتصادي ، كلها عوامل مؤثرة في انتشار
ظاهرة العنوسة ، كذلك ظاهرة ترمل النساء وتيتم الأطفال وهدم الأسرة
الفلسطينية من خلال سياسة الحصار الاقتصادي وفرض الحواجز، عدا عن ظروف
ذاتيه وموضوعية اجتماعية من أهمها الغلاء الفاحش في المهور والتكاليف
الباهظة لإعداد بيت الزوجية، وظهور عادات وتقاليد اجتماعية تزيد من العبء
المادي على الزوج ، كثمن أجرة صالات الأفراح في ظل انعدام مساحة البيت -
وغياب التوسع الافقي وازدياد التوسع الراسي - لإقامة الفرح في البيت عدا عن
تكاليف حفلات الزواج وما يرافقها من موائد الطعام المكلفة التي أصبحت جزء
متجذر في عاداتنا الفلسطينية، وفسرها آخرون أن العزوف عن الزواج عند الشباب
يعود لأسباب اقتصادية بحتة، تتعلق بعدم حصول الكثير منهم على وظيفة ثابتة ،
كما وان مستوى الراتب الشهري للوظيفة لا تكفي لسد حاجات أسرة صغيرة، إضافة
إلى أزمات في الحصول على المسكن والأثاث بسبب الحصار الخانق وارتفاع حاد
لأسعار السلع والخدمات كافة وبالتالي فإن «غلاء المهور» بات يؤرق فئة كبيرة
من الشبان والشابات خاصة المثقفين منهم ويري العديد من الباحثين
الاجتماعيين الفلسطينيين ، أن هناك ارتباطاً قوياً بين ارتفاع المهور
وتكاليف الزواج وبين ارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات في المجتمع الفلسطيني
، وبعض من المؤسسات بحثت عن مخرج لهذه الأزمة حيث لوحظ مؤخرا انتشرت في
الآونة الأخيرة ظاهرة الأعراس الجماعية، ضمن مشاريع الجمعيات الخيرية التي
تزداد باستمرار بهدف حل مشاكل العنوسة بين الجنسين والتخفيف عن كاهل الشباب
في ظل الأزمة المالية الخانقة، وتهتم تلك الجمعيات بمشاريع تزويج فئات
المعاقين بكل أنواعهم بصريا - حركيا، بالإضافة إلى زوجات الشهداء.
مخرج اقتصادي محض :
وفي منحنى آخر وبشكل أكثر وضوح أكد العديد ممن يرغبون في تعدد الزوجات على
أن زواجهم من مثنى وثلاث ، هو بالأساس مخرج اقتصادي ، في ظل الارتفاع
الحاد للأسعار نتيجة الحصار الخانق على غزة وجشع تجار الأنفاق ،هذا الأمر
دفع العديد من الرجال للبحث عن موظفات، وخاصة في قطاع وكالة الغوث أو
القطاع الحكومي ، اعتقادا منه أن الزوجة الموظفة ستقاسمه تحمل الحياة
والمعيشة الصعبة في غزة ، ومن هنا ممكن أن ندرج هنا زواج الكبار انه يندرج
أيضاً تحت بند المخرج الاقتصادي للعديد من العاطلين عن العمل أو ذوي
الرواتب المتدنية .
دوافع الزواج لانجاب ذكور :
للموضوعية لابد الإشارة عن الدافع الثالث الذي يحمل بصماته الشرقية
والعربية وهو دافع الإنجاب والبحث عن ( ذكر) ، فالمجتمع الفلسطيني هو جزء
من النسيج الاجتماعي العربي الذي يميل إلى الذكورة، بمعنى إنجاب اكبر قدر
من الذكور ، فيتزوج بمثنى وثلاث ورباع للوصول إلى عدد على الأقل موازى لعدد
الإناث ويفضل أن يفوق بكثير ، ويبرر البعض زواجه بغرض الإنجاب إلى تعويض
الآلاف من الشهداء الذين سقطوا عبر مراحل الثورة الفلسطينية،
تأسيسا لما سبق :
مع احترامي لهذا التوجه نستخلص أن ظاهرة زواج الكبار ترجع إلى البعدين
الاقتصادي والاجتماعي المتمحورين حول ( التخلص من صعوبة أعباء الحياة في
غزة، بالإضافة إلى البحث عن ذكورة الأسرة )
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.